)
ملحمة ألفت داخل السجن الحربي في القاهرة عام 1955م وهي تحكي قصة سجين قضى نحو{20}شهراً في السجن الحربي..إنها تصوير بسيط لبعض ما قاساه المسلمون الذين عذبوا في هذا السجن الرهيب،وتبلغ عدد أبياتها{294}شعر:د.يوسف القرضاوي.
ملحمـــة الابتـــلاء
ثار القريض بخاطري فدعوني -------- أفضي لكم بفجائعي وشجوني
فالشعر دمعي حين يعصرني الأسى -------- والشعر عودي يوم عزف لحوني
كم قال صحبي أين غر القصائد -------- تشجي القلوب بلحنها المحزون؟
وتخلد الذكرى الأليمة للورى -------- تتلى على الأجيال بعد قرون
ما حيلتي والشعر فيض خواطر -------- ما دمت أبغيه ولا يبغيني؟!
واليوم عاودني الملاك فهزني -------- طربا الى الإنشاد والتلحين
ألهمتها عصماء تنبع من دمي -------- ويمدها قلبي وماء عيوني
نونية والنون تحلو في فمي -------- أبدا فكدت يقال لي"ذو النون"
صورت فيها ما استطعت بريشتي -------- وتركت للأيام ما يعييني
ما همت فيها بالخيال فان لي -------- بغرائب الأحداث ما يغنيني
أحداث عهد عصابة حكموا بني -------- مصر بلا خلق ولا قانون
أنست مظالمهم من خلوا -------- حتى ترحمنا على "نيرون"!
يا سائلي عن قصتي ،اسمع انها -------- قصص من الأهوال ذات شجون
أمسك بقلبك أن يطير مفزعا -------- وتول عن دنياك حتى حين
فالهول عات والحقائق مرة -------- تسمو على التصوير والتبيين
والخطب ليس خطب مصر وحدها -------- بل خطب هذا المشرق المسكين
في ليلة ليلاء من نوفمبر -------- فزعت من نومي لصوت رنين
فاذا"كلاب الصيد"تهجم بغتة -------- وتحزطني عن شمأل ويمين
فتخطفوني من ذوي وأقبلوا -------- فرحا بصيد للطغاة سمين
وعزلت عن بصر الحياة وسمعها -------- وقذفت في قفص العذاب الهون
في ساحة"الحربي" حسبك باسمه -------- من باعث للرعب قد طرحوني
ما كدت أدخل بابه حتى رأت... -------- عيناي ما لم تحتسبه ظنوني
في كل شبر للعذاب مناظر -------- يندى لها-والله- كل جبين
فترى العساكر والكلاب معدة -------- للنهش طوع القائد المفتون
هذي تعض بنابها وزميلها -------- يعدو عليك بسوطه المسنون
ومضت علي دقائق وكأنها -------- مما لقيت بهن بضع سنين
يا ليت شعري ما دهان؟ وما جرى؟ -------- لا زلت حيا أم لقيت منوني؟
عجبا!! أسجن ذاك أم هو غابة؟ -------- برزت كواسرها جياع بطون؟
أأرى بناء أم أرى شقي رحى -------- جبارة للمؤمنين طحون؟
واها!! أفي حلم أنا أم في يقظة -------- أم تلك دار خيالة وفتون؟!
لا..لا أشك..هي الحقيقة حية -------- أأشك في ذاتي وعيني ويقيني؟!
هذي مقدمة الكتاب فكيفما -------- تحوي الفصول السود من مضمون؟!
هذا هو "الحربي" معقل ثورة -------- تدعو الى التحرير والتكوين؟!
فيه زبانية أعدوا للأذى... -------- وتخصصوا في فنه الملعون
متبلدون..عقولهم بأكفهم -------- وأكفهم للشر ذات حنين
لا فرق بينههمو وبين سياطهم -------- كل أداة في يدي مأفون!
يتلقفون القادمين كأنهم -------- عثروا على كنز لديك ثمين
بالرجل..بالكرباج..باليد..بالعصا -------- وبكل أسلوب خسيس دون...
لا يقدرون مفكرا ولو أنه -------- في عقل سقراط و أفلاطون
لا يعبأون بصالح ولو أنه -------- في زهد عيسى أو تقى هارون
لا يرحمون الشيخ وهو محطم -------- والظهر منه تراه كالعرجون
لا يشفقون على المريض وطالما***زادوا أذاه بقسوة وجنون
أترى أولئك ينتمون لآدم -------- أم هم ملاعين بنو ملعون؟!
تالله أين الآدمية منهمو؟ -------- من مثل محمود ومن ياسين؟
من جودة أو من دياب ومصطفى -------- وحمادة وعطية وأمين
لا تحسبوهم مسلمين من اسمهم -------- لا دين فيهم غير سب الدين!
لا دين يردع..لا ضمير محاسب -------- لا خوف شعب..لا حمى قانون
من ظن قانونا هناك فانما -------- قانوننا هو"حمزة البسيوني"
جلاد ثورتهم وسوط عذابهم -------- سموه زورا قائدا لسجون!
وجه عبوس قمطرير حاقد -------- مستكبر القسمات والعرنين
في خده شج ترى من خلفه -------- نفسا معقدة وقلب لعين
متعطش للسوء،في الدم والغ -------- في الشر منقوع،به،معجون
هذا هو الحربي معقل ثورة -------- تدعو الى التطوير والتحسين!!
هو صورة مصغرة أستعيرت من لظى -------- في ضيقها وعذابها الملعون
هو مصنع للهول كم أهدى لنا -------- صورا تذكرنا بيوم الدين
هو فتنة في الدين لولا نفحة -------- من فيض ايمان وبرد يقين
قل للعواذل ان رميتم مصرنا -------- بتخلف التصنيع والتعدين
مصر الحديثة قد علت وتقدمت -------- في صنعة التعذيب والتقرين!!
وتفننت-كي لا يمل معذب- -------- في العرض والاخراج والتلوين!!
أسمعت بالانسان ينفخ بطنه -------- حتى يرى في هيئة" البالون"؟!
أسمعت بالانسان يضغط رأسه -------- بالطوق حتى ينتهي لجنون!
أسمعت بالانسان يشعل جسمه -------- نارا وقد صبغوه"بالفزلين"؟
أسمعت ما يلقى البريء ويصطلي -------- حتى يقول أنا المسيئ خذوني!
أسمعت بالآهات تخترق الدحى -------- رباه عدلك..انهم قتلوني!!
ان كنت لم تسمع فسل عما جرى -------- مثلي ولا ينبيك مثل سجين
واسأل ثرى"الحربي" أو جدرانه -------- كم من كسير فيه أو مطعون!؟
وسل السياط السود كم شربت دما--------حتى غدت حمرا بلا تلوين!
وسل"العروسة" قبحت من عاهر -------- كم من جريح عندها وطعين!
كم فتية زفوا اليها عنوة--------سقطوا من التعذيب والتوهين
واسأل"زنازين" الجليد تجبك عن -------- فن العذاب وصنعة التلقين
بالنار أو بالزمهرير..فتلك في -------- حين،وهذا الزمهرير بحين
يلقى الفتى فيه ليالي عاريا -------- أو شبه عار في شتا كانون
وهناك يملي الاعتراف كما اشتهوا -------- أولا..فويل مخالف وحرون
وسل"المقطم" وهو أعدل شاهد -------- كم من شهيد في التلال دفين
قتلته طغمة مصر ابشع قتلة -------- *لا بالرصاص ولا القنا المسنون
بل علقوه كالذبيحة هيئت--------للقطع والتمزيق بالسكين
وتهجدوا فيه ليالي كلها --------جلدٌ وهم في الجلد أهل فنون
فإذا السياط عجزن عن إنطاقه-------- فالكي بالنيران خير ضمين
ومضت ليالٍ والعذاب مسجّرٌ-------- لفتى بأيدي المجرمين رهين
لم يعبؤوا بجراحه وصديدها --------لم يسمعوا لتأوهٍ وأنين
قالوا: اعترف أو مت.. فأنت مخيّرٌ --------فأبى الفتى إلا اختيار منون
وجرى الدم الدفاق يسطر في الثرى-------- يا إخوتي استشهدت فاحتسبوني
لا تحزنوا ،إني لربي ذاهبٌ-------- أحيا حياة الحر لا المسجونِ
وامضوا على درب الهدى لا تيأسوا-------- فاليأس أصل الضعف والتهوين
قولوا لأمي: لا تنوحي و اصبري--------أنا عند خالقي الذي يهديني
أنا إن حرمت وداعكم لجنازتي---------فملائك الرحمن لم يدَعوني
إن لم يصل علي في الأرض امرؤ--------حسبي صلاتهمو بعليين
أنا في جوار المصطفى و صحابه-------- أحظى بأجر ليس بالممنون
أنا في ربا الفردوس أقفز شادياً--------جذلان كالعصفور بين غصون
وُلدانها في خدمتي، و ثمارها---------في قبضتي، و نعيمها يدعوني
و إذا حرمت العرس في الدنيا فلي -------- ما شئت فيها من حسان عين
أماه حسبك أن أموت معذباً -------- في الله لا في شهوة و مجون
ما خنت ديني أو حماي و لم أكن -------- يوماً على حرماته بظنين
فليسالوا عني "القناة" و يسألوا -------- عني "اليهود" فطالما خبِروني
سحقا لجزارين كم ذبحوا فتى -------- مستهترين كأنه ابن لبون
فإذا قضى ذهبوا بجثته إلى -------- تل المقطم و هو غير بطين
لفوه في ثوب الدجى و تسللوا -------- سارين بين مفاوز و حزون
واروه ثم محوا معالم رمسه -------- فغدا كسرٍّ في الثرى مكنون
أخفوه عن عين الأنام و ما دروا -------- أن الإله يراهمو بعيون
والليل يشهد و الكواكب و الثرى -------- و كفى بهم شهداء يوم الدين
قالوا: محاكمة، فقلت: رواية -------- أعطوا لمخرجها وسام فنون
هي شر مهزلة و مأساة معاً -------- قد أضحكتني مثل ما تبكيني
أوعت سجلات القضاء قضية -------- كقضية "الإخوان" أين؟ أروني؟
الخصم فيها مدع و محقق -------- و هو الذي يقضي بلا قانون
إلا هواه و ما يدور برأسه -------- من خلط سكير و رأي أفين
ارأيت محكمة تراسها امرؤ -------- يدعوه من عرفوه بالمجنون
أرأيت أحراراً رموا بهمو لدى -------- قاض عديم دينه مأبون
و الويل لامريء استباح لنفسه -------- إظهار تعذيب و دفع ظنون
سيعود "للحربي" يأخذ حظه -------- و جزاءه الأوفى من "البسيوني"
أنا إن نسيت فلست أنسى ليلة --------- في ساحة الحربي ذات شجون
عدنا المساء من المحاكمة التي -------- كانت فصول فكاهة و مجون
ما كاد يعرونا الكرى حتى دعا -------- داعي الردى و كفاك صوت أمين
فتجمع "الإخوان" ممن حوكموا -------- ذا اليوم من طنطا إلى بسيون
أما الأولى سيحاكمون فأحضروا -------- ليروا يقينا ليس بالمظنون
و إذا بقائدنا المظفر حمزة -------- في عسكر شاكي السلاح حصين
حشد الجنود و صفها بمهارة -------- و كأنه عمرو بأجنادين
و أحاطنا ببنادق و مدافع -------- فغرت لنا فاها كفي التنين
طابور تكدير ثقيل مرهق -------- في وقت أحلام و آن سكون
تعدو كما تعدو الظباء يسوقنا -------- لهب السياط شكت من التسخين
و مضت علينا ساعتان و كلنا -------- عرق تصبب مثل فيض عيون
من خر إغماء يفق عجلاً على -------- ضربات سوط للعذاب مهين
و من ارتمى في الأرض من شيخوخة -------- أو علة.. داسوه دوس الطين
لم يكف حمزة كل ما نؤنا به -------- من فرط إعياء و من توهين
فأتى يوزع بالمفرق دفعة -------- بالسوط من عشرين للخمسين
كل ينال نصيبه بنزاهة -------- في العد و الإتقان و التحسين
و إذا نسيت فلست أنسى خطبة -------- ما زال صوت خطيبها يشجيني
إذ قال حمزة-و هو منتفخ- فلم -------- يترك لفرعون و لا قارون
أين الألى اصطنعوا البطولة و ادعوا -------- أني أعذبهم هنا بسجوني
أظننتمو هذا يخفف عنكمو؟ -------- كلا، فأمركم انتهى، و سلوني؟
أم تحسبون كلام ألف منكمو -------- عنكم و عن تعذيبكم يثنيني؟
إني هنا القانون، أعلى سلطة -------- من ذا يحاسب سلطة القانون؟
متفرد في الحكم دون معقب -------- من ذا يخالفني و من يعصيني؟
فإذا أردت و هبتكم حرية -------- أو شئت ذقتم من عذابي الهون
من منكموا سامحته فبرحمتي -------- و إذا أبيت فذاك طوع يميني
و من ابتغى موتاً فها عندي له -------- موت بلا غسل و لا تكفين
يا فارس الوادي و قائد سجنه -------- أبنو الكنانة أم بنو صهيون؟
هلا ذهبت الى الحدود حميتها -------- و أريتنا أفكار نابليون؟
اذهب لغزة يا همام و أنسنا -------- بجهادك الدامي صلاح الدين
أفضدنا كبش النطاح .. و نعجة -------- في الحرب جماء بغير قرون؟
أعرفت ما قاسيت في زنزانة -------- كانت هي القبر الذي يؤييني؟
لا بل ظلمت القبر فهو لذي التقى -------- روض، و تلك جحيم أهل الدين
هي في الشتاء و برده ثلاجة -------- هي في هجير الصيف مثل أتون
تلقي ثمانية بها أو سبعة -------- متداخلين كعلبة السردين
هي منتدانا و هي غرفة نومنا -------- و هي البوفيه و حجرة الصالون
هي مسجد لصلاتنا و دعائنا -------- هي ساحة للعب و التمرين
و هي "الكنيف" و للضرورة حكمها -------- ما الذنب إلا ذنب من سجنوني
هي كل مالي في الحياة فلم يعد -------- في الكون ما أرجوه أو يرجوني
الأرض كل الأرض عندي أرضها -------- أما السماء فسقفها يعلوني
فيها انقطعت عن الوجود فلم أعد -------- أعنيه في شيئ و لا يعنيني
لا أعرف الأنباء عن دنيا الورى -------- إلا من الأحلام لو تأتيني
يبكي الأقارب غيبة حسبوا لها -------- شهرين فامتدت إلى عشرين
و لكم وفي زار أهلي سائلاً -------- عني برفق علهم عرفوني
و الأهل لا يدرون هل أنا ميت -------- فقدوه أم حي فيرتقبوني
كم شاعر فقد الرجاء بعودتي -------- فأعد فيّ قصيدة التأبين
هذا نصيبي يا أخي من ثورة -------- قد كنت أحسبها أتت تحميني
حظي بها زنزانة صخرية -------- سوداء مثل قلوب من أسروني
كم من ليال بتها أشكو الطوى -------- و البرد، لكن أين من يشكيني؟
هم كدروني لا طعام أذوقه -------- لا شيء من برد الشتاء يقيني
فإذا انقضى التكدير جاء طعامهم -------- دكناً كأفكار الأُلى اعتقلوني
ضربٌ من التعذيب إلا أنه -------- لا بد منه لسد جوع بطون
فطورنا عدس مزين بالحصى -------- إن الحصى فرض على التعيين
قد عفته حتى اسمه و حروفه -------- من عينه أو داله و السين
و غذاؤنا فاصولية ضاقت بها -------- نفسي، فرؤية صحنها تؤذيني
و عشاؤنا شيء يحيرك اسمه -------- و كأنما صنعوه من غسلين
لا طعم فيه و لا غذاء و إنما -------- يحلو لنا من قلة التموين
طبق يُكال لسبعة أو نصفه -------- و علي أن أرضى و قد ظلموني
لو أن لي في جوفها حرية -------- لرضيت.. لكن أين ما يرضيني؟
من أجل ضبط وريقة أو إبرة -------- و لغير شيء.. طالما استاقوني
و تجمعوا حولي ضواري همها -------- نهشي.. و مالي حيلة تنجيني
إن نمت توقظني السياط سريعةً -------- فالنوم ليس يباح للمسجون
و إذا تحدثنا لنذهب بالكرى -------- حظروا الحديث علي كالأفيون
و إذا شغلنا بالقراءة وقتنا -------- أخذوا جميع الكتب للتخزين
و إذا تلونا في المصاحف حرموا -------- حمل المصاحف و هي خير قرين
و إذا تسلينا بصنع مسابح -------- جمعوا المسابح من نوى الزيتون
هذي سياستهم و تلك عقولهم:-------- عيشوا بغير تحرك و سكون
إياكمو أن تشتكوا أو تألموا -------- موتو بغير توجع و أنين
يا ويل من قد مسه لهب الظما -------- فدعا بلطف للجنود:اسقوني
فهناك يسقى المر من أيديهمو -------- من كل مسعور عليك حرون
فالسوط حلال المشاكل، لم يضق -------- يوما بطول مآرب و شئون
من راح يشكو الجوع فهو غذاؤه -------- و من ابتغى رياً فأي معين
و من اشتكى الإسهال يجلد عشرة -------- هي وصفة "الثوار" للمبطون
و من اشتكى وجع الصداع فمثلها -------- أو ضعفها بمكان الأسبيرين
و من اشتكى من سكر فبنحوها -------- يجد العليل أعز أنسولين
هذا اكتشاف الثورة الفذ الذي -------- فخرت به مصر على برلين
يا عصبة الباستيل دونكمو فلن -------- آسى على الإغلاق و التأمين
سدوا على الباب كي أخلو إلى -------- كتبي فلي في الكتب خير خدين
و خذوا الكتاب فإن أنسي مصحفي -------- أتلوه بالترتيل و التلحين
و خذوا المصاحف، إن بين جوانحي -------- قلباً ينور يقينه يهديني
الله أسعدني بظل عقيدتي.. -------- أفيستطيع الخلق أن يشقوني؟
لحساب من هذا الأتون مسجر -------- يلقى له الفحم و البنزين؟
لحساب من بطشوا بأطهر ثلة -------- روت دماها أرض فلسطين؟
لحساب من ضربوا بطولة فتية -------- بعثوا صلاح الدين في حطين؟
لحساب من مكروا بإخوة غانمٍ -------- و ابن المنيسي و الفتى شاهين؟
لحساب من شنقوا المجاهد يوسفاً -------- و الفرغلي محارب السكسون؟
لحساب من غدروا بعودة جهرةً -------- من غير سلطان عليه مبين؟
لحساب من ما قتلوا و ما قد شوهوا -------- من أوجه أو أظهر و بطون؟
من عذبوا، من شردوا، من جوعوا -------- و من استذلوا من ليوث عرين؟
ألمصر؟كيف، و نحن صفوة جندها -------- في يوم حرب للعدو زبون؟
أم للعروبة في قضيتها التي -------- أغنى بها الشهداء عن تبييني؟
أم يا ترى لقضية الإسلام في -------- أوطانه من طنجة لبكين؟
ألمسلمي الأحباش أم لأرتريا؟ -------- من كل مرتقب لعون معين؟
أم للألى يفنون في القوقاز أو -------- من ذبحوا في الهند أو في الصين؟
لا لا و ربي، إنني لأقولها -------- بالجزم لا بالخرص و التخمين
لحساب من هذا أتدري يا أخي؟ -------- لحساب الإستعمار و الصهيون
أرضى بنا الطاغوت سادته -------- لكي يعدوه بالتثبيت و التأمين
فالقوم يخشون انتفاضة ديننا -------- بعد الجمود و بعد نوم قرون
يخشون " يعرب" أن تجود بخالد -------- و بكل "سعد" فاتح ميمون
يخشون أفريقيا تجود بطارق -------- يخشون كردياً كنور الدين
يخشون دين الله يرجع مصدراً -------- للفكر و التوجيه و التقنين
و يرون كل تكتل يدعو له -------- خطراً و خصماً ليس بالمأمون
و هنا بدا البطل الهمام منفذاً -------- لمخطط التبشير و الماسون
ليسدد الضربات في عنف إلى -------- أقوى بناء للدعاة متين
ليقول للرقباء: قروا أعيناً -------- أنا بإقتلاع الأس جد قمين
و كذاك قام "كمالهم" في تركيا -------- ليطارد الإسلام كالمجنون
و اليوم سار "جمالهم" في خطة -------- بتدرج و تخابث ملعون
ذاك امرؤ عار، و هذا ماكرٌ -------- متلون يحكي أبا قلمون
يا مصر حظك مثل حظي عاثر -------- كم قد نكبت بغاشم و خئون
قلنا: انقضى عهد الظلام و اقبلت -------- مصر على عهد أغر مكين
يمضي بأمتنا على سنن الهدى -------- و يردها لتراثها الميمون
و يعيد عهد الراشدين يمده -------- عز الرشيد و نهضة المأمون
أمل أضاء –كلمحة- في ثورة -------- كنا لها في الروع خير معين
في نفسه و دمائه: "انا ربكم" -------- لا تجعلوا رباً لكم من دوني
ثرنا على الأحزاب في تضليلها -------- للشعب في توجيهها اللاديني
ما بالها رجعت لنا حزبية -------- عمياء ذات دعاية و طنين؟
تدع البناء يكاد يهوي ركنه -------- و تهيم بالتزويق و التزيين
صحف و مذياع و سيل دعاية -------- متدفق النشرات جد هتون
خطب توزع للعراة ليكتسوا -------- و صحافة تهدى الى المسكين
أكداس أرقام و لست ترى لها -------- أثراً سوى عري و جوع بطون
برقٌ و لا مطرٌ، و أوراق و لا -------- ثمرٌ، و جعجعة بغير طحين
حزبية هدامة شريرة -------- باسم البناء تهد كل حصين
كانت على الإسلام في أوطانه -------- شراً من السكسون و اللاتين
نصبت مشانقها لقتل دعاته -------- بغياً، بلا شرع و لا قانون
و مضت تصب على الألوف عذابها -------- من كل ذي ثقة بهذا الدين
ساءت لعمري ثورة مشئومة -------- لم تجن منها غير تل ديون
يجري الخراب وراءها أنى جرت -------- و تقول بالتطوير و التحسين
يا ثورة كنا حماة ظهورها -------- صرنا وقيد وطيسها المجنون
قالوا مباركة .. و ما كانت سوى -------- حُمىً على الأحرار أو طاعون
يا هرةً اكلت بنيها غدرة -------- قبحت أمّاً كنت غير حنون
أفهكذا يُجزى الجميل بضده -------- أين الوفاء و أهله..دلوني؟
قل للذي جعل الكنانة كلها -------- سجناً وبات الشعب شر سجين
يا أيها المغرور في سلطانه -------- أمن النضار خلقت أم من طين؟
يا من أسأت لكل من قد أحسنوا -------- لك دائنين فكنت شر مدين
يا ذئب غدرٍ نصبوه راعياً -------- والذئب لم يك ساعة بأمين
يا من زرعت الشر لن تجني سوى -------- شر وحقدٍ في الصدور دفين
سيزول حكمك يا ظلوم كما انقضت -------- دول أولات عساكر وحصون
ستهب عاصفةٌ تدك بناءه -------- دكاً... وركن الظلم غير ركين
ماذا كسبت وقد بذلت من القوى -------- والمال بالآلاف والمليون؟
أرهقت أعصاب البلاد ومالها -------- ورجالها في الهدم لا التكوين
وأدرت معركة تأجج نارها -------- مع غير (جون بولٍ) ولا كوهين
هل عدت إلا بالهزيمة مرة-------- وربحت غير خسارة المغبون؟
وحفرت في كل القلوب مغاوراً --------تهوي بها سفلاً إلى سجّين
وبنيت من أشلائنا وعظامنا -------- جسراً به نرقى لعليين
وصنعت باليد نعش عهدك طائعاً -------- ودققت إسفيناً إلى إسفين
وظننت دعوتنا تموت بضربةٍ -------- خابت ظنونك فهي شر ظنون
بليت سياطك والعزائم لم تزل -------- منّا كحدّ الصارم المسنون
إنا لعمري إن صمتنا برهةً -------- فالنار في البركان ذات كمون
تا لله ما الطغيان يهزم دعوةً -------- يوماً ،وفي التاريخ برُّ يميني
ضع في يدي ّ القيد ألهب أضلعي-------- بالسوط ضع عنقي على السكّين
لن تستطيع حصار فكري ساعةً -------- أو نزع إيماني ونور يقيني
فالنور في قلبي وقلبي في يديْ -------- ربّي .. وربّي ناصري ومعيني
سأعيش معتصماً بحبل عقيدتي -------- وأموت مبتسماً ليحيا ديني
صبراً اخي في محنتي و عقيدتي -------- لا بد بعد الصبر من تمكين
و لنا بيوسف أسوة في صبره -------- و قد ارتمى في السجن بضع سنين
هون عليك الأمرلا تعبأ به -------- إن الصعاب تهون بالتهوين
أمسٌ مضى و اليوم يسهل بالرضا -------- و غدٌ ببطن الغيب شبه جنين
لا تيأسن من الزمان و أهله -------- و تقل مقالة قانط و حزين
شاة أسمنها لذئب غادر -------- يا ضيعة الإعداد و التسمين
فعليك بذر الحَب لا قطف الجنى -------- و الله للساعين خير معين
سنعود للدنيا نطب جراحها -------- سنعود للتكبير و التأذين
ستسير فلك الحق تحمل جنده -------- و ستنتهي للشاطيء المأمون
بالله مجراها و مرساها فهل -------- تخشى الردى و الله خير ضمين؟
يا رب خلص مصر من أعداءها -------- و أعن على طاغوتها الملعون
يا رب إن السيل قد بلغ الزُبى -------- و الأمر في كاف لديك و نون
باسم الفراخ الزغب هيض جناحهم -------- فقدوا الأب الحاني بغير منون
بدموع أم روعوها في ابنها -------- و بكل دمع في العيون سخين
بدعاء شيخ شردوا أبناءه -------- ما بين معتقل و بين سجين
بسهاد زوج غاب عنها زوجها -------- فدعت لفرط جوىً و فرط حنين
رباه رد علي مؤنس وحشتي -------- وأغث بعودته جياع بنيني
يا من أجبت دعاء نوح "فانتصر" -------- وحملته في فلكك المشحون
يا من أحال النار حول خليله -------- روحاً وريحانا بقولك: كوني
يا من أمرت الحوت يلفظ يونساً -------- و سترته بشجيرة اليقطين
يا رب إنا مثله في كربةً -------- فارحم عباداً كلهم ذو النون